آخر الأخبار
اخبارحركة التجديد الكردستانيدوليةسوريا

المؤتمر الديمقراطي في بروكسل.. فرصة لتوحيد الصف السوري

بقلم: د. رزكار قاسم

بقلم: د. رزگار قاسم

منذُ بداية الأزمة السورية، شهدت الساحة السياسية السورية الكثير من المؤتمرات والملتقيات بعناوينٍ براقة وشعارات رنانة. قدمت هذه المؤتمرات وعودًا بإيجاد حلول جذرية للصراع المستمر. إلا أنها، ورغم التغطية الإعلامية الكبيرة التي صاحبتها، لم تتمكن من تحقيق نتائج ملموسة على الأرض. وقد بقيت الوعود مجرد حبر على ورق، بينما استمر النزاع في تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد.

يرجع هذا الفشل في جانب كبير منه إلى سيطرة قوى الإسلام السياسي، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، وتأثير الحكومة التركية بقيادة “حزب العدالة والتنمية” المتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين في توجيه دفة المعارضة السورية المتمثلة في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” بما يخدم مصالحهم الخاصة. تلك السيطرة أضفت طابعًا أيديولوجيًا ضيقًا على الخطاب السياسي للمعارضة، مما أفقدها القدرة على تمثيل كافة أطياف الشعب السوري في تحقيق تطلعاته نحو دولة ديمقراطية تعددية خصوصًا في المحافل الدولية.

تركيا، التي كانت تبحث عن دور إقليمي لها، وجدته في سوريا حيثُ سخرت المعارضة السورية كأداة لتحقيق أجنداتها الجيوسياسية. من خلال دعم الفصائل الراديكالية وتوجيه الائتلاف الوطني، عمدت أنقرة إلى دفع المعارضة نحو مسارات سياسية تتعارض مع مصلحة الشعب السوري. تمحورت تلك المسارات حول تحقيق مصالح تركيا في مناطق الشمال السوري وأطماعها الاستعمارية التوسعية والعبث في ديمغرافية المناطق الكردية. فزادت من تعقيدات المشهد السياسي والأمني.

في هذا السياق، برز مسار محور الشر في “أستانا” الذي يجمع تركيا، روسيا وإيران، (والنظام والائتلاف) بشكل غير مباشر من خلال تبعيتهم للأطراف الرسمية في حلف أستانا. وقد انتهى باتفاقيات هشة لم تكن قادرة على توفير حلول دائمة، بل كرست حالة الانقسام وغياب الاستقرار.

بعد هذا الفشل الذريع، برزت ملتقيات القوى والشخصيات الديمقراطية كاستجابة حقيقية لحاجة ملحة في الساحة السياسية السورية: مسار علماني ديمقراطي يجمع القوى المتنوعة في سوريا بعيدًا عن الأجندات الإقليمية والهيمنة الخارجية. نشأ هذا المؤتمر في العاصمة السويدية ستوكهولم برعاية مركز أولف بالمه أشهر منظمة دولية للسلام، حيث ضمَّ عددًا من القوى الديمقراطية والشخصيات الفاعلة إلى جانب مندوبين عن وزارات خارجية بريطانيا، سويسرا، السويد، وفرنسا.

دور مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)

لعب مجلس سوريا الديمقراطية دوراً محورياً في تنظيم ودعم هذا المسار، حيث يُعتبر المجلس من أهم القوى التي تسعى إلى بناء سوريا جديدة تستند إلى القيم الديمقراطية. بالشراكة مع مجموعة من القوى السياسية الديمقراطية والشخصيات المستقلة، تمكن من تنظيم ورش عمل وحوارات واسعة جمعت بين مختلف الأطياف السياسية. هذه الورشات لم تكن مجرد نقاشات نظرية، بل كانت منصات عملية لبلورة رؤية مشتركة حول كيفية إعادة بناء سوريا على أسس تضمن حقوق جميع مكوناتها وتحقق تطلعات الشعب السوري.

وركزت هذه الورشات على مناقشة قضايا رئيسية، منها العلمانية والديمقراطية، واللامركزية وحقوق الإنسان، باعتبارها أساساً لإعادة بناء الدولة السورية التي دمرها الصراع. وقد أكد المشاركون على أهمية وضع حلول مستدامة لمشاكل سوريا المعقدة.

مسارات المؤتمر والداعمون

خلال مراحل التحضير لعقد المؤتمر، تم تشكيل لجان تنظيمية وفكرية متعددة، كان دورها الأساسي هو وضع إطار سياسي وتنظيمي يعكس تطلعات المشاركين ويضمن نجاح المؤتمر. هذه اللجان عملت على صياغة خارطة طريق تهدف إلى تحقيق تحالف واسع بين القوى الديمقراطية والسياسية المختلفة، بما يضمن تمثيلاً حقيقياً لكافة مكونات الشعب السوري.

وقد لقي المؤتمر دعماً دولياً من الدول والجهات التي تدعم التحول الديمقراطي في سوريا وتؤمن بأهمية بناء سوريا على أسس ديمقراطية علمانية. والتي تعارض التدخلات الإقليمية التي تفرضها قوى ظلامية مثل تركيا وإيران.

تميز مسار ستوكهولم

ما يميز مسار ستوكهولم عن المسارات السياسية الأخرى، تركيزه على الحوار السوري-السوري دون تدخل خارجي يسعى لتحقيق مصالح جيوسياسية ضيقة على حساب مصالح الشعب السوري. في الوقت الذي شهد فيه مسار أستانا وغيره من المسارات محاولات واضحة من تركيا وروسيا وإيران لفرض تقسيمات إقليمية ومناطق نفوذ داخل سوريا، قدم مسار ستوكهولم نفسه كبديل حقيقي يقوم على المصالح العليا للسوريين.

هذا المسار لم يسعَ فقط إلى حل القضية السورية من منظور سياسي، بل ركز أيضًا على إعادة بناء الثقة بين السوريين الذي لعب النظام السوري طوال عقود من الزمن على تمزيق نسيجه الاجتماعي من خلال اتباعه سياسة (فرق تسد).

رؤية سياسية لمستقبل سوريا

رؤية مجلس سوريا الديمقراطية، التي تمثل جوهر مسار ستوكهولم، تعتمد على فكرة أن الحل في سوريا لا يجب أن يكون مبنياً على تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذٍ أجنبية عبر تشكيل حكوماتٍ موازية تمثل سلطة انتداب لقوى استعمارية. بل يجب أن يكون الحل نابعاً من إرادة الشعب السوري ويعتمد على اللامركزية الديمقراطية كإطار سياسي يتيح لجميع المكونات السورية الفرصة للمشاركة الفاعلة في صنع القرار. اللامركزية في هذه الرؤية ليست مجرد توزيع للسلطات بين المركز والأطراف، بل هي وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، ومنع عودة النظام المركزي الدكتاتوري الذي تسبب في تدمير البلاد.

استكمالاً لمسار ستوكهولم.. نحو مؤتمر المسار الديمقراطي المزمع انعقاده

في إطار الجهود المتواصلة لترسيخ مسار ستوكهولم الذي يهدف إلى تشكيل تحالف ديمقراطي علماني يمثل مختلف الأطياف السورية، تتوج هذه المساعي بعقد مؤتمر المسار الديمقراطي في 25 و26 أكتوبر من هذا العام في العاصمة البلجيكية بروكسل. يأتي هذا المؤتمر كخطوة محورية نحو تحقيق تحول سياسي شامل ومستدام في سوريا، بعيدًا عن الأجندات الخارجية التي طالما فرضت نفسها على الساحة السورية. ويكتسب هذا الحدث أهمية متزايدة في ضوء التطورات الإقليمية والدولية التي تلقي بظلالها على الملف السوري وعلى الجهود الرامية لإنهاء الصراع الذي مزق البلاد لعقد كامل.

المتغيرات السياسية على الساحة السورية والإقليمية

تتزامن الاستعدادات لعقد مؤتمر المسار الديمقراطي مع تحولات إقليمية ودولية متعددة، أبرزها التقارب التركي مع النظام السوري. فبعد سنوات من دعم تركيا للمعارضة السورية المسلحة، بدأت أنقرة، تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية، تتبنى نهجاً أكثر براغماتية. هذا التحول، الذي تمثل في لقاءات دبلوماسية رفيعة المستوى بين مسؤولين أتراك وسوريين، تلتها تصريحات الرئيس التركي أردوغان، الذي أبدى استعداده للقاء نظيره السوري بشار الأسد، حيثُ يشير هذا التحول إلى رغبة تركيا في إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، خاصة في ظل تقاربها الأخير مع عدد من الدول العربية التي كانت في السابق تدعم معارضتها.

هذا التقارب التركي-السوري أثار تساؤلات حول تداعياته على مستقبل المعارضة السورية، وخاصة القوى التي اعتمدت على الدعم التركي لسنوات. فهل سيؤدي هذا التقارب إلى تهميش تلك القوى وتركها لتواجه مصيراً مظلماً، أم سيدفعها إلى البحث عن حلفاء جدد واستراتيجيات بديلة؟ هنا، يبرز مسار ستوكهولم كبديل حقيقي للقوى الديمقراطية التي تسعى إلى بناء سوريا جديدة على أسس وطنية وديمقراطية، بعيدًا عن التبعية لأجندات القوى الإقليمية.

الأزمات الإقليمية وأثرها على المشهد السوري

إلى جانب المتغيرات المتعلقة بالعلاقات التركية-السورية، تشهد المنطقة أزمات إقليمية أخرى ذات تأثير مباشر على الوضع في سوريا. الأزمة المتفاقمة بين إسرائيل وغزة، والاضطرابات المستمرة في لبنان، كلها عوامل تزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة. هذا السياق الإقليمي المضطرب يؤثر بشكل مباشر على سوريا، حيث تسعى الأطراف الإقليمية إلى توجيه الصراع السوري بما يخدم مصالحها.

في ظل هذه التحديات الإقليمية والتحولات السياسية المعقدة، يبرز مؤتمر المسار الديمقراطي المزمع عقده في بروكسل كفرصة حقيقية لإعادة توجيه البوصلة نحو المصالح العليا للشعب السوري. يأتي هذا المؤتمر كاستكمال لمسار ستوكهولم، حاملاً معه آمال السوريين في بناء دولة ديمقراطية تعددية، بعيدة عن الهيمنة الخارجية والصراعات الإقليمية.

إن نجاح هذا المسار يعتمد بشكل كبير على قدرة القوى الديمقراطية السورية على توحيد صفوفها وتجاوز الخلافات الثانوية، والتركيز على القضايا الجوهرية التي تهم الشعب السوري. كما أن الدعم الدولي لهذا المسار سيكون حاسماً في تعزيز فرص نجاحه وتحويله إلى واقع ملموس على الأرض.

يبقى الأمل معقوداً على أن يشكل مؤتمر المسار الديمقراطي نقطة تحول في مسار الأزمة السورية، وأن يفتح الباب أمام حل سياسي شامل يضمن وحدة سوريا وسيادتها، ويحقق تطلعات شعبها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. فمستقبل سوريا يجب أن يُصنع بأيدي السوريين أنفسهم، بعيداً عن التدخلات الخارجية والأجندات الإقليمية التي أثبتت فشلها مراراً وتكراراً.

الدكتور رزگار قاسم
ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في ألمانيا

رئيس حركة التجديد الكُردستاني-سوريا

يرجى متابعتنا والإعجاب :
Pin Share

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

مشاركة