ما قولكم فيمن يقول إن نقاط المراقبة الأمريكية في شرق الفرات لا تندرج ضمن دعم قسد عسكرياً ضد التهديد التركي، فهذه النقاط فقط لخلق حالة توازن وحماية جنود أمريكا من الجهة الخلفية؟
“إن الدول الكبرى والتي تملك القرار حول العالم بشكل عام؛ وسوريا بشكل خاص؛ أمثال الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا؛ تتصرف دائماً وفق مصالحها؛ ووفق استراتيجيتها المعدة مسبقاً؛ وخلال تطبيقها لتلك الاستراتيجيات تتبع من حين إلى آخر تكتيكات معينة لدعم تلك الاستراتيجيات وليس تعاطفاً مع هذا الفريق او ذاك، وأمريكا وحتى روسيا تتصرفان وفق استراتيجية ثابتة؛ وهي الحفاظ على المصالح العليا لكل منهما دون أن يضطرا إلى الاشتباك المباشر، وحتى لو استدعى الأمر ذلك؛ فيكون عن طريق وكلاء اتخذوا منهم وسيلة لتطبيق تكتيك هنا وهناك، لذلك نرى أن أمريكا تستعمل سياسة العصا والجزرة مع كل من الكرد في سوريا ومع الدولة التركية وما نقاط المراقبة على الحدود الا احد هذه التكتيكات .. ولو أرادت أمريكا أن تمنع جماح تركيا بالفعل فإنها تستطيع أن تفعل ذلك بتصريح واحد من وزارتها الخارجية أو البنتاغون أو حتى الرئيس ترامب”.
“ولأن أمريكا لم ترد أن يحصل الاشتباك في ادلب، أطلقت العنان لتركيا وروسيا لكي يرسموا الحدود؛ وتشكيل ما تسمى “المنطقة المعزولة” كما تريدان، (المهم هنا ألا يحدث اقتحام ادلب عسكرياً)، ولذلك صرّح ترامب إبان التحشدات السورية على تخوم ادلب بأن معركة ادلب ستقود إلى كارثة انسانية وكانت هذه اشارة واضحة إلى عدم رغبتها في حدوث معركة ادلب”.
في نفس الوقت يقول البعض أن مضيّ البنتاغون قدماً في إنشاء مراكز مراقبة على الحدود السورية التركية لا يعني سوى أن ساعة حساب تركيا قد اقترب، كيف تقيّمون هذا الكلام؟
“الولايات تتبع نفس السياسة السابقة مع اردوغان، ولأن الأخير يخرج عما يرسمه له الامريكان فيهددونه بدعم قسد عسكرياً، وأن قوات سوريا الديمقراطية هي حليفة مهمة للولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الارهاب، وأظن أن الخاسر الأكبر في هذه اللعبة هي تركيا وأردوغان، لأنه كلما اقترب اردوغان من روسيا التي تُشبع اطماعه في غزو المناطق السورية المتاخمة لتركيا مقابل خدمات جلية يقدمها لروسيا والنظام السوري؛ بالضغط على المجموعات المسلحة وفرض اتفاقيات الاذعان عليها كما حصل في حلب والغوطة الشرقية وادلب مؤخراً، أعود وأكرر؛ كلما اقترب اردوغان من روسيا أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما يحاول التنصل من الاتفاقات التي أبرمها مع روسيا ارضاءً أو اذاعاناً للرغبة الأمريكية فسيخسر كل الامتيازات التي قدمتها روسيا له بعد أن يكون قد فقد كل أوراقه في دعم الجماعات الإسلامية الراديكالية”.
في نفس السياق يقول بعض المحللين السياسيين أن الخطر التركي هو أكبر من كل الدول الأخرى الفاعلة في سوريا، ليس فقط على الشعب الكردي بل على الشعب السوري كامله.. ما رأيكم في ذلك؟
“إن ما يدفع تركيا إلى التخبط في سياساتها والتحول من معادلة صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء، هو سطوع النجم الكردي والانتصارات الساحقة التي حققتها القوات الكردية ضد الإرهاب، و خوف تركيا من ايجاد الكُرد موطئ قدم لهم في شمال سوريا، ولذلك كرر المسؤولون الاتراك مراراً مقولة إنه يجب ان لا تتكرر تجربة كردستان العراق مهما كلفهم الامر وبأي ثمن كان، ومن هنا باتت تركيا العامل الأكبر في زعزعة الأمن في سوريا وباتت تشكل الخطر الأكبر على التسوية السياسية؛ لأنها هي من تمنع وتضغط لعدم مشاركة الكُرد في جميع اللقاءات والمؤتمرات واللجان التي تبحث في الأزمة السورية، وما لقاءات الاستانة وسوتشي إلا التفاف على مؤتمر جنيف لمنع الكُرد من المشاركة فيه، ويعرف القاصي قبل الداني أنه بدون مشاركة الكُرد الفعلية لا يمكن أن تجد القضية السورية طريقها الى الحل”.
قال لافروف في آخر تصريح له إن “أمريكا تلعب بالورقة الكردية في سوريا وهي الخطيرة جداً”.. كيف نوفق بين ذلك ودعوة روسيا إلى مشاركة الكرد في العملية السياسية؟
“كما اسلفت سابقاً؛ بأن تقرّب أمريكا من القضية السورية ليس بأفضل من تقرب روسيا، وكلاهما متفق على الاستراتيجيات؛ ومختلفان على التفاصيل؛ فروسيا التي قدمت عفرين لتركيا مقابل صفقة دنيئة كان ثمنها اقتحام الغوطة الشرقية وارتكاب مجاز فيها وطرد المجموعات المعارضة منها؛ ونقلها الى ساحة النفوذ التركية، هي نفسها روسيا التي كانت ولا تزال تطالب بمشاركة الكرد في عملية التسوية؛ إنها بذلك تمارس أبشع أنواع الابتزاز، ولذلك يجب على القوى الكردية أن تعي هذه المسألة، واظنها واعية لذلك، وأن لا تعتمد على أي طرف خارجي حتى النهاية، وأن لا تضع كل بيضها في سلة واحدة فقط، وعليها أن تتقن اللعبة بشكل محترف؛ لان أي خطأ في الحساب يعني تكرار كارثة عفرين”.
في النهاية وفي ظل كل التطورات السابقة، برأيكم شمال شرق سوريا إلى أين؟ وهل التهديد التركي ما زال مستمراً؟
“بناءً على كل ما تقدم؛ على القوى السياسية في شمال وشرق سوريا أن تعي ما يحاك ضدها من مؤامرات؛ وما ينسج لها من أفخاخ في دوائر القوى الكبرى، وأن الحل الوحيد هو الرجوع إلى مكونات المنطقة وتمتين أواصر الوحدة بين فعاليات تلك المكونات السياسية والاجتماعية لأن الحماية الحقيقية للأرض هي بتمتين الجبهة الداخلية أولاً؛ وثم الاستفادة من التحالفات السياسية من هذه القوة أو تلك”.