انتفاضة 12 آذار والثورة السورية
بقلم: حسن محمد علي
إذا عدنا إلى تاريخ الثورات والنقاشات التي دارت حول الثورة، والظروف التي تساعد على انطلاق الثورة، البعض ركّز على الظروف الموضوعية وهي الأساس، والبعض الآخر أعطى الأهمية للجانب الذاتي، وكان هناك جدل بين الأوساط السياسية والفكرية حول الموضوع، ونتيجة النقاشات توصّلوا إلى حقيقة ضرورة تكامل الظروف الموضوعية مع الذاتية، ومع هذه الظروف هناك ردود فعلٍ مجتمعية تجاه تصرفات الأنظمة المستبدة والديكتاتورية أو المحتلة تشير إلى قدوم الثورة، وهو وصول الشعب إلى حالة تحطيم الخوف والوقوف في وجه ممارسات الديكتاتورية، وكانت تُعتبر بأنها تشبه اللبنة الأساسية للثورة، أي إنها إشاراتٌ بان مرحلة ثورية قادمة لا محال ويجب التهيئة والجهوزية على كل الأصعدة السياسية والتنظيمية والفكرية والقيادية لتلك المرحلة من أجل عدم فوات الفرصة التاريخية، والقدرة على قيادة الثورة عند البدء بها وإيصالها إلى هدفها الأساسي الذي انطلقت من أجله، آخذة بعين الاعتبار جميع التحديات التي تواجهها من قبل الأنظمة السلطوية والديكتاتوريات وقوى الاحتلال والتدخّلات الخارجية من أجل إجهاض الثورة كما فعلوا في الثورة السورية بالتدخل فيها وتحريف مسارها السّلمي المنادي بالحرية و الكرامة والعدالة إلى العسكرة والهيمنة من قِبل التنظيمات الراديكالية لتحقيق أهداف القوى المتدخّلة وتحييد القادة الحقيقيين من ساحة الثورة عبر استخدام كافة الأساليب والمؤامرات إلى حدّ التصفية لترك الساحة فارغة للتدخلات، لذلك كانت تُعطى الكثير من الأهمية للتحضيرات والظروف الذاتية، من حيث التنظيم والتخطيط والقيادة والاستراتيجية إلى جانب الظروف الموضوعية المتاحة والتي لها نفس الأهمية.
12 آذار المجزرة التي ارتُكبت والانتفاضة التي انطلقت كلبِنة للثورة السورية
معروف للجميع المجزرة التي ارتُكبت في 12 آذار في الملعب البلدي بمدينة قامشلو أثناء مباراةٍ بين فريقي كرة القدم، والتي كان هدف النظام من ورائها زرع العِداء ومشاعر الفتنة بين المكوّنات وخاصة بين الكُرد والعرب، وخلق حالة صراع كردي – عربي، وفق سياسة “فرّق تسُد” والتي راحت ضحيتها الكثير من المواطنين الأبرياء، ولكن كانت ردّة فعل الشعب أقوى وأكبر من هذه الفتنة، ولم يقع في الفخ الذي نصبه النظام لتحويلها إلى صراعٍ قومي وخاصة بين المكوّن الكردي والعربي، نتيجة الوعي السياسي والتنظيم الموجود والذي تحدّثنا عنه في بداية هذا المقال، وهي الظروف الذاتية.
فقد حوّلوا المجزرة إلى انتفاضة في وجه النظام وحطّموا حاجز الخوف، وانتشرت كالنار في الهشيم في جميع المناطق ذات الغالبية الكُردية وصولاً إلى حلب والعاصمة دمشق، فالشعب نتيجة هذا الوعي السياسي والتنظيم لم يُخطئ الهدف ولم يقع في لعبة النظام الخطيرة، وكانت تلك الانتفاضة رسالةً لكل السوريين، بأنّه لا بدّ من الانتفاضة ولا يمكن أن نخسر شيء سوى القيود التي كبّلت أيدينا، لذا كانت انتفاضة 12 آذار بمثابة اللبِنة الأساسية للثورة السورية.
ومثلما كان هناك ردّ على المجزرة التي ارتُكبت في قامشلو 2004، حدثت انتفاضة تجاه الأطفال في درعا.
فانطلقت من درعا وانتشرت في جميع المناطق السورية ولم يعد الشعب السوري يقبل الظلم والعبودية وأعلن كلمته، إما الحياة الحرّة أو الموت.
ففي المكان الذي انطلقت منه انتفاضة 12 آذار تجذّرت الثورة فيها وتماسكت على شكل الإدارة الذاتية بعد أن أنهتْ مرحلة الاضطهاد والظلم، ودشّنت مرحلةً جديدة، هي مرحلة الإدارة الذاتية؛ مرحلة أخوة الشعوب و الأمة الديمقراطية، والتي تحوّلت إلى فلسفة وثقافة ومدرسة ونمط من النضال والكفاح وطراز للحياة والعمل، وغيّرت المفاهيم والمصطلحات القديمة إلى أخرى جديدة تعبّر عن إرادة الشعوب وفكرهم الحُر المبني على إرادتهم الحرّة والتي بدأت تنتشر في جميع المناطق السورية، بحيث يتم اتخاذها كنموذجٍ يُحتذى به ورغم كل التهديدات والتدخّلات الدولية والإقليمية والمحلية التي يواجهها هذا النموذج الجديد والذي لم تنقطع يوماً واحداً، فما زالت هذه المنطقة بارقة الأمل للسوريين على جميع الأصعدة رغم المخاضات والتحديات التي تمرّ بها.
كلّ هذه التطورات والانجازات التي تحقّقت هي نتيجة الظروف الذاتية التي تمكّنت من التعامل المبدع والخلّاق مع المرحلة والتطورات السياسية عبر انتهاجه الطريق الثالث الذي يرتكز على إخوة الشعوب والعيش المشترك كفلسفة الحياة من خلال إرادتهم الحرة.
الثورة السورية والمهام المنتظرة
الثورة السورية مرّت بمراحل عدّة ما بين مدٍّ وجزر، ولكن تمكّنت من تحقيق التطورات والانجازات على مستوى الرؤية السياسية والتنظيم والإدارة وإمكانية الدفاع المشروع في وجه الهجمات والتهديدات وفق الحقوق التي نصّت عليها القوانين الدولية. أمام هذه الإنجازات التي تحقّقت والتحديات التي واجهتها وتواجهها نتيجة التدخّلات، لا تزال أمامها مهامٌ كبيرةٌ لايصال الثورة إلى هدفها على كامل الجغرافية السورية، وهي تحقيق التحوّل الديمقراطي في سوريا نحو سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية، فلا بدّ من استنتاج العِبر والدروس في الذكرى السنوية لانتفاضة الثاني عشر من آذار والذكرى السنوية للثورة السورية من المرحلة المنصرمة، والعمل على تحقيق وحدة السوريين الذي هو أساسُ الحل السياسي وضمانٌ لسوريا موحّدة، وهذا ما أقرّه المؤتمر الرابع لمجلس سوريا الديمقراطية، الذي يتحقق من خلال لم شمل المعارضة في الداخل والخارج والبدء بحوارات بنّاءة للوصول إلى توافقاتٍ مبدئية حول سوريا المستقبل، هذه الحوارات المبنية على الوعي السياسي والرؤية الوطنية والديمقراطية والمعرفة العلمية التي تلغي الأحكام المسبقة وتدشّن لمرحلة جديدة، مرحلةُ بناءِ جبهةٍ وطنية ديمقراطية على كامل الجغرافية السورية نواتها مؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية، وهذه مهمة تاريخية ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية أمام جميع السوريين والسوريات، والذين يرون أنفسهم أمام مسؤولية تاريخية تجاه الوطن والمجتمع والشعب.
نعم أمام الثورة السورية مهامٌ صعبةٌ في ظلّ الظروف والتحديات الكبيرة، ولكنّها ليست مستحيلة، ومثلما استطاعت أن توصل المسيرة النضالية إلى هذا اليوم فبامكانها تحقيق سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية، وهذا يتمّ بالرؤية السياسية البعيدة المدى والقراءة الصحيحة للتطورات والمتغيرات والمستجدات التي تحدث في العالم والمنطقة والبلد، وبتنظيم سياسي مجتمعي لكافة المكونات دون إقصاء، وبالعمل والنضال الدؤوب والمثابرة وإطلاق مبادرات بنّاءة وواقعية وموضوعية تصبّ في مصلحة الهدف الاساسي، لبناء وطنٍ للجميع؛ أفراداً وجماعاتٍ، تتحقق فيه الحرية والكرامة والعدالة والمساواة