آخر الأخبار
اراء وحواراتسوريا

سوريا بين أدوات الماضي ورهانات الجديد

بقلم: الأستاذ حسن محمد علي

الرئيس المشترك لمكتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية

ليست سوريا التي نبحث عنها اليوم مجرد جغرافيا تبحث عن خريطة، ولا مجرد دولة تحتاج إلى دستور جديد، بل هي روح مثقلة بتاريخ طويل من الأدوات التي كبّلتها وأدخلتها في نفق مظلم. أدواتٌ لم تُبنَ لتفتح أفقًا، بل لتغلقه؛ لم تُستخدم لتصون الإنسان، بل لتقمعه. فمنذ عقودٍ، كانت السلطة تُدار بآليات الإقصاء، ويُختصر الوطن في حزب أو زعيم، ويتحوّل القانون إلى سياج للسلطة بدل أن يكون مظلة للناس. كان الاقتصاد رهينة الفساد والاحتكار، وكان المجتمع المدني مجرد ديكور معطل، والمثقفون محاصرون بين المنع والتطويع. حتى المرأة، نصف المجتمع، وُضعت على الهامش، والشباب جرى استهلاك طاقاتهم بدل أن يكونوا روافع للتغيير. وهكذا غدت الأدوات نفسها قيودًا، تجر البلاد نحو انسداد خانق.

لكن حين نتحدث عن سوريا الجديدة، فإننا نتحدث عن رهان على أدوات مغايرة تمامًا. أدوات تُعيد للسياسة معناها كتعبير عن المشاركة لا عن الاستحواذ، وللدستور هيبته كعقدٍ ضامن لا كوثيقة مُفرغة. أدوات ترى في الاقتصاد مشروع عدالة وتنمية، لا غنيمة للمقرّبين. أدوات تفتح المجال أمام المجتمع المدني ليكون شريكًا لا تابعًا، أمام المرأة لتكون في الصدارة لا في الظل، أمام الشباب ليكونوا قاطرة المستقبل لا ضحاياه. أدوات تجعل من الثقافة مساحة للنقد والتنوير، لا سجناً للأفكار، ومن الجيش حصناً للسيادة لا سوطاً للداخل.

ليست المسألة هنا في إعادة طلاء البنية القديمة بل في إعادة تأسيسها من الجذر. فالبناء الذي ينهار لا يُنقَذ بدهان جديد، بل بأساس جديد. وهنا تكمن رهانات السوريين: أن يبتكروا أدواتٍ تتناسب مع طبيعة مجتمعهم الفسيفسائي، وأن يؤسسوا وطنًا يشعر فيه الجميع أنهم شركاء حقيقيون. وطنًا يصون الكرامة قبل أن يمنح النصر، لأن الأمل أثمن من النصر، ولأن الشعوب التي تحفظ أملها تستطيع أن تبني حاضرها ومستقبلها مهما كان الخراب الذي خلّفته الأدوات القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى