آخر الأخبار
شيخموس أحمد: وضع آلية مشتركة مع الحكومة الانتقالية لإخراج العوائل السورية من مخيم الهول الكُرد وسوريا القادمة: بين الحق الدستوري والخذلان الرسمي غفور مخموري في جامعة تيشك الدولية (TIU): ينبغي لنا جميعاً أن نعتز بالتعايش السائد في كوردستان Tevgera Nûjena Kurdistanê: Daxuyaniya bi boneya Roja Zimanê Kurdî – 15ê Gulanê حركة التجديد الكُردستاني تستقبل وفداً من حزب الوطن السوري في الحسكة وتبحث معه تطورات المنطقة حزب العمال الكُردستاني يعلن حلّ نفسه وإنهاء الكفاح المسلح: “مرحلة جديدة في مسيرة الحرية” اجتماع للمجلس العام لحركة التجديد الكُردستاني في الحسكة يبحث المستجدات السياسية والتنظيمية إعلان النصر: قراءة في نتائج مقاومة سد تشرين ضد العدوان التركي والفصائل المرتزقة منذ 12 ديسمبر 2024 في مراسيم خاصة غفور مخموري يوقّع علىتسعة من كتبه ويهديها للقراء تقرير خاص | مصدر مقرب من سماحة الشيخ حكمت الهجري يكشف فحوى الاجتماع… وتصاعد التوترات في السويداء وري...
اخباراراء وحواراتحركة التجديد الكردستانيسورياكردستان

الكُرد وسوريا القادمة: بين الحق الدستوري والخذلان الرسمي

الكُرد وسوريا القادمة: بين الحق الدستوري والخذلان الرسمي

بقلم: د. رزگار قاسم

رئيس حركة التجديد الكُردستاني

ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في ألمانيا

حين نكتب عن الكُرد في سوريا، فنحن لا نتحدث عن أقلية تطالب بامتياز، ولا عن جماعة تبحث عن دور في مشهد غريب عنها، بل عن شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين. نحن نتحدث عن ثاني أكبر قومية في سوريا، موجودة قبل أن تُرسم الحدود، وقبل أن يُفرض على الجغرافيا اسمٌ سياسيٌ اسمه “الجمهورية العربية السورية”. وبين هذا التاريخ وهذه الجغرافيا، نشأ الكُردي في سوريا حاملًا هوية مزدوجة: هوية قومية مُنكرة من قبل السلطة، وهوية وطنية مشروطة بخضوعٍ دائم للإنكار ذاته.

لكن اليوم، وفي لحظة تاريخية فارقة، وبعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية وتحولها إلى كارثة وطنية، يعود سؤال الكُرد إلى واجهة النقاشات الدستورية والسياسية، لا كجزءٍ من ترف التنوع، بل كركن أساسي من أركان إعادة بناء سوريا المستقبل.

الحق الدستوري المُنتَزع: لا مكرمة من أحد

من حيث المبدأ، لا ينبغي أن يكون اعتراف الدولة السورية بالكُرد كقومية ثانية، وبلغة رسمية ثانية، ضمن الدستور، محل تفاوض أو تنازل. هذا ليس مطلبًا سياسيًا، بل هو استحقاق تاريخي ووطني وأخلاقي.

قبل أيام، استوقفني تصريحٌ لأحد أولئك “الساسة المؤدلجين”، من أبواق الوطنية الزائفة الذين اعتادوا التصفيق لأي سلطة ما دامت تجلس على عرش دمشق و التسبيح بحمد الأنظمة، حتى وهم يذرفون دموع التماسيح على “مستقبل سوريا”.

لم يكتفِ هذا المتحدث بإعادة إنتاج الخطاب التقليدي للشوفينية البعثية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، مطالبًا بـ“فتح السجلات العثمانية”، لفرز “من هو السوري الأصيل” من “الدخلاء”، زاعمًا أن معظم الكُرد في سوريا “لاجئون”، دخلوا إليها في زمن الانحطاط العثماني، واستقروا فيها على نحوٍ غير شرعي، ويجب اليوم إعادة “تدقيق هوياتهم”.

هذا الخطاب ليس زلة لسان، بل سياسة كاملة مُنظمة، قاعدتها هي إنكار وجود الشعب الكُردي، وتحويله إلى مادة مشتبهة في وطنيتها وشرعيتها التاريخية، وكأن الكُرد الذين سبقوا ترسيم حدود سوريا الحديثة بقرون لا يزالون بحاجة إلى شهادة ميلاد من أرشيف “الدولة العلية”.

إن ادعاء أن الكُرد “لاجئون”، وأنهم يحتاجون إلى تدقيق في أصلهم، ليس جديدًا.

لقد استخدمه نظام البعث منذ الستينيات كحجة لحرمان مئات الآلاف من الكُرد من الجنسية، بحجة “الإحصاء الاستثنائي”، ولاحقًا لتبرير مشاريع التهجير والتعريب، ومحو الأسماء الكُردية للمدن والقرى، من ديركا حمكو إلى كوباني، ومن عفرين إلى سري كانيه حتى حي الأكراد الأيوبي العريق في دمشق لم يسلم من شوفينية السلطة.

تبقى الحقيقة التي يحاول هذا الخطاب طمسها أن الشعب الكُردي في سوريا هو شعبٌ أصيل، يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين، قبل أن يُكتب اسم “سوريا” على الخارطة ككيان سياسي.

الكُرد في سوريا ليسوا طارئين، بل المتغيّر الطارئ هو هذا النظام السياسي الذي يرفض الاعتراف بتعددية البلاد، ويُريد تطويع التاريخ كما طوّع الإعلام، والتعليم، والدين، والقانون، والاقتصاد.

هل يُعقل أن نحتاج إلى أوراق عثمانية لنعرف من هو الكُردي؟

وهل فتح دفاتر الاستعمار سيسقط من ذاكرة هذه الأرض أسماء الأمهات اللواتي أنجبن أبطال الانتفاضات التاريخية والثوار الكُرد، والمقاتلين الذين وقفوا في وجه الأطماع التركية التوسعية وتنظيم داعش، والمثقفين الذين كتبوا بلغتهم رغم أنف المنع، والشهداء الذين ارتوت بهم تراب عفرين وكوباني والحسكة؟

كل من يُطالب اليوم بتدقيق “هوية الكُردي”، إنما يُعيد إنتاج خطاب الإبادة الرمزية التي سبقت الإبادة الجسدية. خطابٌ يبدأ بالشك في انتمائك، ثم يُشكك في حقك، ثم يبرر التهجم عليك، ثم ينتهي بإنكار وجودك أصلًا.

لكننا هنا، لا ننتظر شهادة وطنية من أحد، ولا نقبل بمقايضة وجودنا التاريخي بوثائق ملفّقة.

نحن لا نبحث عن مقعد في هوية أحد، بل عن دستور يعترف بنا كشعب، عن شراكة لا وصاية، عن دولة لا تُبنى فوق أنقاض الكرامات. أي وطن هذا الذي لا يتّسع لوجودنا، بينما يتّسع في تكريم رموز الإرهاب والتكفير والعنصرية في أعلى مراكز القرار؟

إن بناء سوريا الجديدة لا يمكن أن يتم فوق ركام الإنكار، ولا باستمرار بث الكراهية والتحريض في الإعلام الموالي، ولا عبر التواطؤ مع شخصيات تحمل إرثًا من دم الأبرياء.

بل يبدأ من الاعتراف، من الجرأة على قول الحقيقة، من إعادة تعريف المواطنة على أساس المساواة، لا على مبدأ “الأصل والفصل” وسجلات الاستعمار العثماني البائد. نحن لا نطلب إدماجًا مشروطًا، بل نطالب باعتراف متبادل. نحن جزء من هذا الوطن، لكننا نرفض أن نكون “التابعين”، نرفض أن يكون وجودنا رهينة مواقف السلطة أو مزاج المفاوضات. فمن أراد دولة سورية ديمقراطية موحدة، فليبدأ بالاعتراف بحقوقنا كشعب، لا كطائفة.

اتفاقية القصر الجمهوري: بين الرمزية والانتهاك

في العاشر من آذار، ووسط ظروف حساسة ومعقدة، وُقعت اتفاقية تاريخية بين قائد قوات سوريا الديمقراطية، الجنرال مظلوم عبدي، ورئيس الجمهورية الانتقالية في دمشق، على أرضية القصر الجمهوري. لم تكن تلك الاتفاقية نصرًا سياسيًا للكُرد فقط، بل كانت أيضًا فرصة لسوريا كي تبدأ بالتصالح مع ذاتها. أحد أهم بنود الاتفاقية نصّ على تشكيل لجان مشتركة لبحث القضايا الوطنية والسيادية، بما يشمل الإصلاح الدستوري، وقضايا الإعلام، والتنسيق الأمني، وإعادة بناء الثقة.

لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟ لا شيء سوى خيانة الاتفاق.

فحكومة دمشق الانتقالية ذهبت في الاتجاه المعاكس تمامًا: عقدت مؤتمرًا وُصف بـ”الوطني”، لكنه في حقيقته كان مهزلة أحادية اللون، نسخة رديئة عن مؤتمرات “الأسد الأب” حين كان يستعرض وحدانية السلطة بالتصفيق الجماعي. لا لجان مشتركة، لا دعوة لمؤسسات الإدارة الذاتية، لا مشاركة فعلية للكُرد، لا حتى احترام رمزي لما تم الاتفاق عليه.

أي “وطنية” هذه التي تُبنى بالإقصاء؟

أي “حوار سوري – سوري” لا يشمل مَن حموا حدود سوريا من أطماع تركيا التوسعية و دافعوا وحرروا أرضها من داعش، ولا يشمل من نظموا الإدارة حين انهارت الدولة؟

التحريض الإعلامي: الوجه الآخر للإنكار

من بين البنود الجوهرية في الاتفاق المبرم مع الجنرال مظلوم عبدي، كان هناك بند واضح وصريح ينصّ على تشكيل لجنة مشتركة لوقف التحريض الإعلامي وخطاب الكراهية، وهو بند لا يقل أهمية عن أي بند سيادي أو سياسي.

ففي بلد تمزقه الطوائف والإثنيات، وتُذبح فيه الهويات تحت شعارات الوحدة الزائفة، يصبح الإعلام – أكثر من أي وقت مضى سلاحًا فتاكًا بيد من لا يريد لهذه البلاد أن تشفى.

لكن ومنذ لحظة توقيع الاتفاق، لم نرَ أي مؤشرات تدل على نية الحكومة الانتقالية احترام هذا البند. بل على العكس تمامًا، فقد شهدت البلاد انفجارًا عنصريًا حقيقيًا، بدأ من الشاشات ووسائل التواصل، وسرعان ما تسلل إلى العقول والنفوس، حتى أصبح خطاب التحريض ضد الشعب الكُردي خطابًا رسميًا غير معلن، ومُبررًا ضمنيًا.

إعلاميون معروفو الولاء لدوائر الأمن والبعث، تحوّلوا إلى محاكم تفتيش رقمية ضد الكُرد. من البوق موسى العمر، إلى الطبل جميل الحسن، إلى الضابط الفار أسعد الزعبي، إلى المرتزق الرخيص عبدالجليل السعيد، وغيرهم من المتنطعين الذين لا يُخفون نيتهم العلنية لتجريم الشعب الكُردي بأسره، وتصويره كـ”مشكلة أمنية”، وليس مكوّنًا تاريخيًا ووطنيًا في سوريا.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد: بعضهم ذهب أبعد من التحريض، ليتوعّد بشكل صريح ومباشر بشنّ عمليات عسكرية لإبادة الكُرد ومؤسساتهم السياسية والعسكرية، وهو ما يرقى قانونيًا إلى مستوى “التحريض على الإبادة الجماعية”.

والأخطر من هؤلاء الأفراد، هو التواطؤ الرسمي الصامت بل الراضي من قِبل ما تُسمّى بـ”حكومة دمشق الانتقالية”.

لم نسمع تصريحًا واحدًا، لا من وزارة الإعلام، ولا من أي هيئة حكومية، يدين هذه الأصوات، أو يُنذرها، أو حتى يُحاول تبريرها تبريرًا دبلوماسيًا.

بل إن النظام الإعلامي الرسمي في سوريا المُتحكَّم به من قِبل أجهزة الاستخبارات حوّل مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إلى ثكنة سيكولوجية تُطلق منها موجات من الكراهية والإنكار، تحت مسمى “حرية التعبير”.

نعم، في دمشق، يُعتبر وصف الكُرد بالخونة، والعملاء، والمرتزقة، واللاجئين، حرية رأي! بينما يُعتقل من يتحدث عن حقوق المواطنة والمساواة بتهمة “النيل من هيبة الدولة”.

ولعلّ أكثر المشاهد فجاجة، كان ما جرى مؤخرًا في مدينة سري كانيه/رأس العين المحتلة، حيث عُقد ما سُمّي بـ”مؤتمر العشائر”، برعاية رسمية واضحة من حكومة دمشق، وبحضور عدد من مسؤولي الحكومة الانتقالية، في منطقة خاضعة لاحتلال تركي مباشر، وبحماية ميليشيات متهمة بارتكاب جرائم حرب.

هناك، قرأنا بيانات وسمعنا خطابات، تصف الشعب الكُردي بأقذر العبارات، وتنهال شتائمًا على قوات سوريا الديمقراطية – قوات الشرف والمقاومة – دون أن يرفّ جفن لممثلي ما يُفترض أنها “الدولة السورية الواحدة”.

بل إن هذا المؤتمر لم يكن سوى استمرار عملي وميداني لذلك الخطاب الإعلامي المُمنهج، والذي يُمهّد لجرائم مستقبلية قد تُرتكب تحت غطاء “الإجماع الشعبي”.

إن هذا المسار لا يمكن فصله عن مشروع إعادة إنتاج النظام البعثي بلون جديد.

فحكومة دمشق اليوم، رغم ادعائها أنها “انتقالية”، تتصرف وكأنها الوريث الشرعي الوحيد للدولة، وتبني سرديتها السياسية على نفس القواعد القديمة: الإنكار، والتخوين، والإقصاء، واستدعاء الجماعات المسلحة المتطرفة وإعادة دمجها في هيكل الدولة، في حين يُجرد الكُرد من شرعيتهم، وتُحاصر مؤسساتهم، ويُعامل ممثلوهم كأعداء أو جهات أجنبية.

إن التحريض الإعلامي الذي يتغذى من عنصرية بنيوية، ويتحوّل إلى حملات ممنهجة، لا يمكن السكوت عليه بعد اليوم.

هو ليس مجرد “رأي متطرف”، بل مقدمة لسياسة تهدف إلى تقويض كل فرصة للتسوية الوطنية، وإعادة إنتاج الحرب الأهلية بصيغ جديدة.

وما لم يتم مساءلة هذا الخطاب ومَن يقف وراءه  فإن أي حديث عن “انتقال سياسي” يبقى مجرد ديكور بلا مضمون، بل واجهة ناعمة لمحرقة صامتة.

من أبو حاتم شقرا إلى رأس هرم السلطة: الشرعية المسمومة

في مشهد صادم يختصر كل شيء، عينت حكومة دمشق الانتقالية الإرهابي أحمد الهايس، المعروف بـ”أبو حاتم شقرا”، في موقع رسمي مرموق. الرجل الذي يُتهم مباشرة بجرائم ضد الإنسانية، وإعدام السياسية الشهيدة هڤرين خلف، أصبح شريكًا في مستقبل سوريا!

أي رسالة هذه التي تبعثها حكومة دمشق لمن قاتل الإرهاب؟

هل هذه هي سوريا القادمة؟ دولة تكرّم القتلة الإرهابيين وتقصي من قاومهم؟

نحو مشروع سياسي لا ينتظر الاعتراف

أمام كل ما سبق، لم يعد مقبولًا أن يظل الكُرد في موقع الدفاع أو الانتظار. حان الوقت لبناء مشروع سياسي مستقل، يُراكم منجزات الإدارة الذاتية، ويطرح نفسه على مستوى سوريا، لا كمجرد مكون، بل كقوة سياسية وشعبية لديها رؤية للدولة والهوية والمستقبل.

إن خريطة الشرق الأوسط تتغير، والمشهد السوري يعاد تشكيله، لكن من لا يُثبت حضوره في اللحظة التأسيسية، لن يكون له مكان في الناتج النهائي. لذلك، علينا أن نتحرك:

  • سياسيًا: بفرض شروطنا لا بمجاراة الإقصاء.
  • إعلاميًا: بمواجهة التحريض بحملة وعي لا تنكفئ.
  • شعبيًا: بإعادة الثقة للناس بأننا لسنا مجرد ضحية، بل فاعلون تاريخيون.

الكُرد ليسوا ورقة تفاوض… هم معادلة وطنية

إن مشروع سوريا الديمقراطية لا يمكن أن ينجح دون الاعتراف بالكُرد كمكون مؤسس، وكشعب له تاريخه وحقوقه. ولن تُبنى دولة على أنقاض تهميشنا.

أقولها بوضوح: الكُرد ليسوا مجرد ورقة تفاوضية في يد أحد. نحن معادلة وطنية قائمة بذاتها. وإن لم تستوعبها دمشق، فإن التاريخ سيعيد نفسه، ولن تكون هناك وحدة وطنية، بل مشروع آخر يُبنى من رحم هذه الإدارة، ومن دماء أبنائها، ليقول: نحن هنا، نحن الأصل، ونحن المستقبل.

وختامًا، على الجميع أن يدرك: القضية الكُردية في سوريا لم تعد شأنًا محليًا. هي قضية مركزية في مستقبل الشرق الأوسط. ومن أراد السلام والاستقرار، فليبدأ من هنا. من روج آفا، من قامشلو، من الحسكة، من ديريك. من هذه الأرض التي قاومت الإرهاب، وحمت كرامة سوريا، يوم كانت الدولة غائبة والجماعات المتطرفة تملأ الفراغ.

رزگار قاسم

رئيس حركة التجديد الكُردستاني

ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في ألمانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى