آخر الأخبار
اراء وحواراتسوريا

سوريا التأسيس من جديد: نحو وطن ديمقراطي تعددي

بقلم: الأستاذ حسن محمد علي

الرئيس المشترك لمكتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية

إن الحديث عن الدمج في السياق السوري لا يقتصر على كونه إجراءً إدارياً أو تقنياً لربط مؤسسات متناثرة، بل هو في جوهره مشروع وطني شامل يستدعي إعادة تأسيس الدولة السورية من جذورها. فالتجربة المريرة التي عاشها السوريون طوال العقود الماضية أثبتت أن بقاء الدولة في بنيتها القديمة لن يقود إلا إلى مزيد من الانهيار، وأن الطريق إلى الخلاص لا يكون إلا عبر تأسيس سوريا جديدة: سوريا تشارك جميع أبنائها وبناتها في صنع حاضرها ومستقبلها، وتبنى على قيم الحرية والعدالة والمساواة.

هذه الأولوية تعني قبل كل شيء إنهاء كل أشكال التمييز والعنصرية والإقصاء التي نخرت في جسد المجتمع السوري. فسوريا التأسيس الجديد هي وطن يطوي صفحة القوانين الاستثنائية الجائرة، ولا سيما تلك التي استهدفت الكرد وبقية المكونات القومية والدينية، ليفتح الباب واسعاً أمام وطن مشترك، تُصان فيه الحقوق الفردية والجماعية على السواء.

لكن إعادة التأسيس لا تُختزل في القوانين والدساتير وحدها، بل تحتاج إلى طاقات المجتمع جميعها. المرأة ستكون شريكاً أصيلاً بما تمثله من طاقة لا غنى عنها، والشباب سيكونون القوة الديناميكية الطليعية التي تفتح الطريق أمام المستقبل. وإلى جانبهم، يحضر المجتمع المدني، والقوى السياسية الديمقراطية والوطنية، كأدوات فاعلة لترسيخ الشراكة وصياغة مسار وطني جامع.

ولأن سوريا الجديدة لا يمكن أن تُبنى إلا بالانفتاح، فهي تستلهم أيضاً قيم رجال الدين من مختلف الطوائف والمذاهب، حيث المحبة والصلح والتعاون وقبول الآخر، كما تستنير بعقول المثقفين والمتنورين الذين يوجّهون البوصلة نحو الطريق الصحيح. إنها سوريا التي توازن بين خيال الأطفال البريء وما يحمله من طهر الأمل، وبين حكمة الشيوخ وتجاربهم بما تمنحه من ثبات ورصانة.

إن هذه الرؤية لا تحتمل الجمود ولا تُختزل في قوالب دوغمائية مغلقة، بل تقوم على العقول المتفتحة المبدعة القادرة على التجديد ومواجهة تحديات العصر. والمعيار الذي يوجّه كل خطوة فيها هو الحرية والعدالة والمساواة والمواطنة المتساوية. في هذه سوريا لن يكون هناك مكان للإرهاب أو التطرف أو الكراهية أو الفتن، بل ستكون حصناً منيعاً أمام كل مشاريع التمزق والانقسام.

غير أن هذا المشروع الكبير لن يكتمل من دون عقد اجتماعي وطني جامع يؤسس لدستور ديمقراطي جديد، دستور يُكرّس حقوق السوريين والسوريات كمواطنين أحرار، ويضمن في الوقت ذاته الحقوق الجمعية لكل المكونات على أساس الشراكة الحقيقية والمساواة التامة.

وعندها فقط يصبح الدمج فعلاً تاريخياً يقود إلى ميلاد سوريا ديمقراطية، تعددية، لا مركزية، تكون وطناً آمناً لجميع أبنائها. أما إن عجزنا عن تحويله إلى مشروع تأسيس جديد، فإن المخاطر ستكون جسيمة، من العودة إلى الحروب الداخلية والانقسامات، وصولاً إلى تهديد الوحدة الوطنية.

لهذا، فإن مسؤوليتنا اليوم واضحة ولا تحتمل التردد: أن نبذل كل الجهود لتأسيس سوريا جديدة، سوريا تنبض بالحرية، وتسطع بالعدالة، وتترسخ بالمساواة، سوريا تكون بيتاً حقيقياً لكل مواطنيها بلا استثناء ولا تمييز، وطن يليق بكرامة أبنائه ويصون دماءهم وتضحياتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى