منذ بروز تنظيم “داعش” الإرهابي في المشهد، شهدت مناطق واسعة في العراق وسوريا موجة من العنف والدمار، كان للكُرد نصيب كبير منها، وكان أبرزها فاجعة شنگال. في الثالث من أغسطس عام 2014، تعرضت شنگال (سنجار) الواقعة في إقليم كُردستان/شمال غرب العراق إلى هجوم واسع النطاق من قبل تنظيم “داعش”، مستهدفةً بالأساس المجتمع الكُردي الإيزيدي. اجتاحت عناصر التنظيم المدينة بسرعة كبيرة، مما أدى إلى انهيار سريع للخطوط الدفاعية المتواجدة في المنطقة دون مقاومة تُذكر. كانت قوات البيشمرگه التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) منتشرة هناك، وفقًا لتقارير إعلامية و مشاهدً مصورة وشهادات من الناجين، قامت قوات البيشمرگه بالانسحاب و الفرار بشكل مفاجئ وسريع، تاركةً السكان الإيزيديين دون حماية.
خلال الهجوم، ارتكبت “داعش” سلسلة من الفظائع التي صنفت فيما بعد كجرائم إبادة جماعية. تم قتل الآلاف من الإيزيديين بطرق بشعة، ودفن العديد منهم في مقابر جماعية. كما تعرضت النساء والفتيات إلى عمليات سبي ممنهجة، حيث تم اختطافهن وبيعهن كجواري في أسواق النخاسة التي أقامها التنظيم. تشير التقديرات إلى أن آلاف النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب والاستعباد الجنسي خلال فترة سيطرة التنظيم على المنطقة.
الدور البطولي لقوات YPG و YPJ
وسط هذه الفاجعة، برز الدور البطولي لقوات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا. بعد انسحاب قوات البيشمرگه، دخلت هذه القوات إلى شنگال بهدف تقديم الدعم والدفاع عن السكان المحليين. وإلى جانب الدور البطولي لقوات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، لعبت قوات الدفاع الشعبي (الگريلا) دورًا محوريًا في تحرير شنگال والدفاع عن سكانها. عند بداية الهجوم على شنگال، كانت قوات الگريلا من أوائل القوات التي تدخلت لتقديم الدعم والمساعدة للإيزيديين المحاصرين. حيثُ قامت القوات بفتح ممرات آمنة للنازحين، مما سمح للآلاف بالهرب إلى مناطق أكثر أمانًا. بالإضافة إلى ذلك، شاركت هذه القوات في معارك شرسة ضد تنظيم “داعش”، وساهمت بشكل كبير في إضعاف قدرات التنظيم وتأمين المناطق المحيطة بجبل شنگال. استمرت المعارك في شنگال لعدة أشهر، وبدعم من التحالف الدولي وقوات البيشمرگه التي أعادت تنظيم صفوفها، تم تحرير المنطقة بشكل تدريجي. في نوفمبر 2015، أعلنت القوات الكُردية استعادة مدينة شنگال بالكامل من سيطرة “داعش” الإرهابي، مما مثل نهاية فصل مروع في تاريخ الإيزيديين.
الاستهداف الممنهج للكُرد ودعم تركيا لداعش
استهدف تنظيم “داعش” الكُرد بشكلً ممنهج في سوريا والعراق، وارتكب بحقهم العديد من الفظائع، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والتهجير القسري والاعتداءات الجنسية. كان هذا الاستهداف مدفوعًا برغبة التنظيم في فرض سيطرته على المناطق الكُردية وتدمير نسيجها الاجتماعي والثقافي محاولاً العبث بديموغرافية المنطقة. تتعدد الأدلة والشهادات التي تشير إلى تورط تركيا في دعم تنظيم “داعش” بحسب بعض المحللين السياسيين بطرق مختلفة، منها:
1. الحدود المفتوحة: سمحت تركيا لفترة طويلة بمرور المقاتلين الأجانب عبر حدودها إلى سوريا، مما ساعد في تدفق أعداد كبيرة من المجندين إلى صفوف “داعش”.
2. الإمدادات اللوجستية: تشير تقارير إلى أن تركيا قدمت تسهيلات لوجستية لتنظيم “داعش”، بما في ذلك تسهيل نقل الإمدادات عبر حدودها.
3. العلاج الطبي: تمت معالجة العديد من مقاتلي “داعش” المصابين في المستشفيات التركية، مما يشير إلى تواطؤ ضمني أو صريح مع التنظيم.
رغم التحديات الكبيرة، أظهر الكُرد شجاعة وتصميمًا في مواجهة تنظيم “داعش”. كانت قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي تضم مقاتلين كوردًا وعربًا وغيرهم، في طليعة المعارك ضد التنظيم. ومن أبرز هذه المعارك:
معركة كوباني قلعة الصمود
تعد معركة كوباني من أبرز المعارك التي جسدت صمود الكُرد في وجه تنظيم “داعش”. في سبتمبر 2014، شن “داعش” هجومًا واسعًا على المدينة، لكن المقاتلين الكُرد تصدّوا لهذه الهجمات ودافعوا عن مدينتهم مسطرين أروّع البطولات حتى أصبحت كوباني رمزاً عالمياً للمقاومة. تمكنت وحدات حماية الشعب YPG و وحدات حماية المرأة YPJ و بدعمً من التحالف الدولي من شن هجمات معاكسة. بعد أشهر من المعارك الطاحنة، تم تحرير قرى كوباني بالكامل في يناير 2015، مما شكل نقطة تحول هامة في الحرب ضد “داعش”.
معركة تل أبيض
في يونيو 2015، شنّت قوات سوريا الديمقراطية SDF هجومًا على مدينة تل أبيض الحدودية، التي كانت تحت سيطرة “داعش”. تمكنت القوات من تحرير المدينة بعد معارك عنيفة، مما قطع خط إمداد رئيسي للتنظيم بين تركيا وسوريا.
معركة الرقة
في يونيو 2017، بدأت قوات سوريا الديمقراطية SDF عملية واسعة لتحرير مدينة الرقة، التي كانت تعتبر “عاصمة” تنظيم “داعش” في سوريا. بعد معارك طويلة وصعبة، تم تحرير المدينة في أكتوبر 2017، مما وجه ضربة قوية لقدرات التنظيم وأضعف سيطرته على المناطق السورية.
معركة الباغوز
في مارس 2019، خاضت قوات سوريا الديمقراطية SDF آخر معاركها الكبرى ضد تنظيم “داعش” في بلدة الباغوز، الواقعة على الحدود السورية العراقية. كانت الباغوز آخر معقل رئيسي للتنظيم، وبعد معارك عنيفة، أعلنت قوات SDF النصر وهزيمة التنظيم نهائيًا في هذه المنطقة. مثلت هذه المعركة نهاية حقبة من الإرهاب والدمار الذي نشره “داعش” في سوريا والعراق.
تشكل فاجعة شنگال واستهداف الكُرد عموماً من قبل تنظيم “داعش” تذكيرًا مؤلمًا بحجم التحديات التي واجهها الكُرد في نضالهم من أجل الحرية والكرامة. على الرغم من الدعم المشبوه الذي تلقاه التنظيم من تركيا، أظهر الكُرد شجاعة استثنائية وتصميمًا في التصدي لهذا العدوان السافر.