في خضم التعقيدات السياسية التي تسيطر على المشهد السوري، يبقى الأمل معقودًا على حوار بنّاء يجمع مختلف القوى الوطنية، ويوحد الرؤى في إطار ديمقراطي جامع. التقت NÛJEN PRESS بالأستاذ قاسم الخطيب، عضو مؤتمر “المسار الديمقراطي السوري” عن جبهة العودة و البناء، وعضو اللجنة الدستورية سابقاً. للحديث حول رؤى جبهة العودة والبناء، وتطلعاتها في هذا المؤتمر لدعم مستقبل سوريا السياسي.
توحيد القوى الديمقراطية نحو مشروع وطني:
يرى الأستاذ قاسم الخطيب أن مشاركته في مؤتمر “المسار الديمقراطي السوري” تأتي ضمن جهد أكبر يسعى إلى جمع الطاقات الوطنية الديمقراطية، بعيدًا عن الحزبيات الضيقة والمصالح الأيديولوجية. ويؤكد أن المؤتمر يشكّل فرصة لخلق مسار شامل يستجيب لتطلعات الشعب السوري نحو مستقبل ديمقراطي، مبني على العدالة والمساواة. فبعد سنوات من الصراعات والانقسامات السياسية التي شهدتها المعارضة السورية، يعتقد الخطيب أن الحاجة باتت ملحّة لإعادة التفكير في أساليب العمل الوطني، وتجاوز العقبات التي أعاقت مسيرة القوى الديمقراطية، سواء قبل أو بعد عام 2011.
ومن خلال انخراط “جبهة العودة والبناء” في المؤتمر، يعبر الخطيب عن أهمية الوصول إلى مشروع وطني شامل بعيداً عن أمراض المحاصصة الايديولوجية الضيقة، ويقطع التبعية للأجندات الخارجية التي لطالما أضعفت قوة المعارضة الديمقراطية. ويشير إلى أنَّ الجبهة ترى في المؤتمر منصة لبناء وحدة حقيقية بين القوى الوطنية المختلفة، حيث تكون الأولوية لحقوق الشعب السوري ومصلحته. ويضيف الخطيب أن مؤتمر المسار يوفر فرصة غير مسبوقة لإعادة تنظيم المعارضة الوطنية الديمقراطية على أسس جديدة، حيث يتم التركيز على تطوير خطاب سياسي واضح ومعتدل يُعلي من قيمة المصلحة الوطنية ويشمل جميع السوريين. ويرى أن المشاركة في هذا المؤتمر تهدف إلى إيجاد حل شامل ومستدام، يكون نابعًا من داخل المجتمع السوري، ويحمي الديمقراطيين من التهميش ويمنحهم تمثيلًا عادلًا داخل هيكل سياسي جديد يمثل الجميع.
أهداف جبهة العودة والبناء في مؤتمر المسار الديمقراطي:
تهدف جبهة العودة والبناء، وفقًا للخطيب، إلى أن يكون المؤتمر نقطة انطلاق نحو توحيد القوى الديمقراطية، عبر التأسيس لمشروع وطني يشمل جميع السوريين الذين يسعون إلى بناء مستقبل سياسي بعيد عن الإقصاء. ويشير الخطيب إلى أنَّ تجربة “التجمع الوطني الديمقراطي” و”إعلان دمشق” تُبيّن مدى أهمية المشروع الوطني المتكامل، حيث واجهت تلك التجارب معوقاتٍ بسبب عدم وجود توافق على رؤية وطنية موحدة. لذلك يرى الخطيب أن مؤتمر المسار هو خطوة إلى الأمام نحو تمكين الديمقراطيين من أداء دورهم بفاعلية ضمن المشهد السياسي.
معوقات التجربة الدستورية:
بصفته عضوًا سابقًا في اللجنة الدستورية، يوضح الخطيب كيف أنَّ اللجنة فشلت في تحقيق غاياتها بسبب الهيمنة المفروضة عليها من قبل ما يُعرف بـ”محور الشر الأستاني”، الذي يضم كلاً من تركيا وروسيا وإيران. يعرب الخطيب عن رفضه للطريقة التي استحوذت بها تلك القوى على قرارات اللجنة، مما أدى إلى تغييب الأصوات الوطنية الفاعلة، ومن ضمنها ممثلو “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) الذي يمثل شريحة كبيرة من السوريين. ويرى أنَّ هذه السيطرة الأجنبية تشكّل عقبة أمام أي مسار دستوري حقيقي يحترم تنوع الشعب السوري، ويحقق العدالة والديمقراطية.
بسبب هذه العوائق، اتخذ الخطيب قرارًا بتجميد عضويته في اللجنة الدستورية، احتجاجًا على سيطرة تلك القوى الإقليمية على القرار السوري، ورفضه للتنازلات التي تمثل انحرافًا عن مسار دستوري يلبي تطلعات السوريين كافة. ويعتبر الخطيب أن وجود تمثيل شامل لجميع أطياف المجتمع السوري هو أساس أي مشروع دستوري حقيقي يسعى لفرض الديمقراطية ودولة القانون.
أهمية اللامركزية وفصل الدين عن الدولة:
فيما يتعلق برؤية الخطيب لسوريا المستقبل، يوضح أن اللامركزية وفصل الدين عن الدولة يشكلان حجر الأساس لبناء نظام سياسي عادل. حيث يرى أنَّ اللامركزية ليست مطلبًا لفئة معينة فقط، بل مطلب شعبي يشمل جميع السوريين الذين يسعون إلى التخلص من سيطرة المركز وتأسيس نظام يعزز العدالة والتكامل بين مختلف المناطق. ويرى الخطيب أن دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق الأفراد والجماعات بعيدًا عن الإيديولوجيات الدينية أو العرقية هي الحل لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا.
التواصل مع المنظمات الدولية وضمان عودة اللاجئين:
يؤكد الخطيب أن هناك خططًا مستقبلية لتفعيل التعاون مع المنظمات الدولية والدول الداعمة، لدعم مخرجات المؤتمر والمضي نحو ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. ويوضح أنَّ جبهة العودة والبناء تعمل على التنسيق مع المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني الدولي، بهدف توفير بيئة آمنة للعودة الكريمة للاجئين والنازحين. ويشدّد على أن العودة يجب أن تتم ضمن بيئة سياسية آمنة وعادلة، تؤمن حقوقهم وتضمن كرامتهم، وهو ما تسعى جبهة العودة والبناء لتحقيقه من خلال الضغط على المجتمع الدولي لدعم المسار الديمقراطي.
التحديات والحملة الإعلامية:
فيما يتعلق بالهجمات الإعلامية وحملات التشويه التي واجهها مؤتمر المسار الديمقراطي من قبل ما أسماه بـ”الطابور الخامس”، المرتبطة بمحاور إقليمية معارضة لمفهوم الديمقراطية الساعية لعرقلة كل جهد وطني. ويعرب عن اعتقاده أن ردّ المؤتمر يجب أن يكون من خلال تعزيز الهيكل التنظيمي، وتفعيل آليات الإعلام والتواصل مع الجمهور، وتقديم خطاب سياسي يرتكز على الحقائق ويمثل مصالح الشعب السوري. ويرى أنَّ هذه الانتقادات تعكس في جزء منها مدى تأثير المؤتمر وقوة تمثيله لإرادة شريحة واسعة من السوريين.
رسالة إلى السوريين ودعوة إلى الاستمرار في الحوار الوطني:
في ختام حديثه، يوجّه الأستاذ قاسم الخطيب رسالة إلى السوريين حاملةً دعوة صادقة إلى جميع القوى الديمقراطية والشخصيات الوطنية للانضمام إلى “المسار الديمقراطي السوري” بهدف تحقيق طموحات الشعب السوري في دولة مدنية ديمقراطية، حيث تكفل المساواة والعدالة والكرامة للجميع. يؤكد الخطيب أن هذه اللحظة هي فرصة لتأسيس مسار جديد يتجاوز عثرات الماضي التي أعاقت العمل الوطني، ويحثّ جميع السوريين على الالتفاف حول مشروع وطني جامع يتجنب الانقسامات السياسية، ويسعى نحو إعادة بناء سوريا التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
ويرى الخطيب أن الخطوة الأولى في هذا المسار هي الإصرار على الحوار الوطني بوصفه أساسًا للانتقال إلى مرحلة من التفاهمات، وتطوير إطار سياسي يعبّر عن طموحات السوريين كافة، بعيدًا عن النفوذ الخارجي والهيمنة الفئوية. ويشدد على ضرورة إشراك مختلف الفئات والشرائح المجتمعية في عملية بناء الدولة، وأن المسار الديمقراطي يجب أن يكون شاملاً؛ حيث لا يتجاهل أي مكون اجتماعي أو جهة وطنية، لأن الديمقراطية تعني بالضرورة تمثيلاً عادلًا لصوت الشعب بأسره.
كما يدعو الخطيب السوريين المغتربين إلى دعم هذا المسار والمشاركة الفعّالة فيه، مشيرًا إلى أن الجالية السورية حول العالم تمتلك إمكانيات وخبرات قد تساعد في دعم هذا التوجه، والمساهمة في نشر الوعي حول أهمية الحوار الوطني كطريق وحيد لتحقيق الاستقرار والسلام الدائم في سوريا.
يأمل الخطيب من الجميع أن يتجاوزوا الاختلافات الأيديولوجية والعرقية، ويركزوا على الأهداف المشتركة التي تجمع السوريين على مسار الديمقراطية. وختامًا، يوجه دعوته إلى كافة القوى الديمقراطية التي لم تتح لها الفرصة بعد للمشاركة، ويحثها على الانضمام، فالأمل معقود على تلاحم جميع القوى والشخصيات الوطنية من أجل بناء سوريا الجديدة، حيث تكون الحقوق مصونة، وحيث يُسمع صوت كل فرد سوري بلا تمييز.
اعداد: هڤال ديركي