آخر الأخبار
اخباراراء وحواراتسوريا

كتب الأستاذ حسن محمد علي: في وداع القائد والمناضل الكبير نورالدين صوفي…

في وداع صوفي الروح التي لا تغيب
أيها الرفيق الذي علّمنا كيف يكون الوفاء، يا من كنت في الميدان صقرًا لا يلين، وفي المجلس عقلًا لا يغيب، وفي القلوب أخًا لا يُنسى…
اليوم جئتُ إلى وداعك، لا أحمل سوى ذاكرتي المبللة بالدمع، وقلبي الذي يتقلب بين الحزن والفخر. وقفتُ بين آلاف الحاضرين، أحدّق فيك كما لو كنت حيًّا أمامي، أسترجع وجوه الأيام التي جمعَتنا، من مقاعد الجامعة، إلى خنادق الجبهات، إلى ليالي التخطيط والأمل، وكل لحظة كنت فيها أنت الأول في التقدم والأخير في الانسحاب.
يا صوفي… لقد تحوّلت قامشلو وروجافا في هذا اليوم إلى نبض واحد ينطق باسمك. لم أرَ شارعًا يخلو من صورتك، ولم أسمع صوتًا إلا وهو يهتف لك. على كتف كل شاب، وفي عيون كل فتاة، كنت أنت الحكاية. لم تكن قائدًا عاديًا، بل مدرسة كاملة في حب الشعب والوطن، مدرسة شعارها التضحية بلا حساب، ورسالتها أن الروح أثمن ما يُهدى لحرية الناس.
رأيتُ رفيقنا القديم، مظلوم عبدي، يتقدّم الصفوف ليعاهدك على مرأى الجميع. كان صوته يحمل ثقل 35 عامًا من الرفاقية: أعوام من النضال في الجامعة، في مواجهة الأعداء، في تنظيم الصفوف، وفي الحلم المشترك. حدّثهم عنك كما يحدّث الأخ عن أخيه: عن معاركك ضد داعش، عن هندستك للمؤسسات، عن سياساتك التي جمعت بين العقل والجرأة، عن كونك سياسيًّا بقدر ما أنت مقاتل، ومثقفًا بقدر ما أنت قائد.
ثم حملناك كما حملتَ أنت رفاقك من قبل، وسِرنا ستة كيلومترات نحو مقبرة الشهيد دليل صاروخان. كانت الهتافات تصعد إلى السماء، وكأنها تخترق الحجب لتصل إليك. على قبرك، وضعت يدي على ترابك الطاهر، وجددت لك العهد أن نمضي على الطريق حتى يتحقق النصر الذي حلمت به: وطن حر، ديمقراطي، تسوده المساواة والعدالة.
حتى في رحيلك، يا صوفي، وحّدت الصفوف، وأشعلت العزائم، وجعلت كل رفيق يولد من جديد. رسختَ فينا أن القائد لا يغيب إلا بالجسد، أما الروح فهي باقية، تمشي معنا في كل خطوة، وتضيء لنا الطريق.
نم قرير العين، يا من جمعت بين صلابة المقاتل، وحكمة السياسي، ودفء الصديق، وصفاء الإنسان. ستبقى في ذاكرة روجافا وكردستان وكل سوريا، وستظل فلسفة “أخوة الشعوب” التي حملتها راية الخلاص، ومفتاح الأمل، وبوابة العبور إلى الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى