
شهد الساحل السوري تصعيدًا دمويًا خطيرًا منذ 6 آذار/مارس 2025 حيث وثّقت تقارير دولية، من بينها تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان وتقرير هيومن رايتس ووتش، انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، تشمل إعدامات ميدانية، تطهيرًا عرقيًا، هجمات على المستشفيات، وعمليات نهب واسعة النطاق.
وبحسب التقارير، فإن الجرائم ارتُكبت بشكل أساسي ضد الطائفة العلوية في محافظات طرطوس، اللاذقية، وحماة، حيث استهدفتها فصائل مسلحة تابعة للحكومة المؤقتة، بدعم من تركيا. وأكدت التقارير أن هذه الجرائم تحمل صبغة طائفية واضحة، ما يزيد المخاوف من عودة الحرب الأهلية إلى سوريا بشكل أكثر شراسة.
تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان: إعدامات ميدانية وتطهير عرقي ممنهج
كشف تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان الصادر في 11 آذار 2025 عن حجم العنف المروع المتفشي في الساحل السوري، حيث تم توثيق 111 حالة قتل مؤكدة، بينما يُعتقد أن العدد الفعلي أعلى بكثير.
إعدامات ميدانية على أساس طائفي
بحسب التقرير، نفذت الفصائل المسلحة عمليات إعدام جماعية ممنهجة في المناطق ذات الغالبية العلوية، حيث تم اقتحام المنازل، والتدقيق في هوية السكان، ثم قتلهم بناءً على انتمائهم الطائفي.
• مقتل عائلات بأكملها: وثّقت المفوضية إبادة أسر كاملة، بما في ذلك النساء والأطفال، في مشاهد تعيد للأذهان أسوأ المجازر الطائفية في الحرب السورية.
• إطلاق النار أمام العائلات: أفاد ناجون أن المسلحين أعدموا الرجال أمام أطفالهم وزوجاتهم، بينما تم العفو عن بعض السكان استنادًا إلى خلفيتهم الطائفية.
هجمات على المستشفيات والكوادر الطبية
بين 6 و7 آذار، أفادت التقارير أن مسلحين مرتبطين بالنظام السابق اقتحموا مستشفيات في اللاذقية وطرطوس وبانياس، واشتبكوا مع القوات الأمنية التابعة للحكومة المؤقتة، مما أدى إلى:
• مقتل العشرات، بمن فيهم مرضى، أطباء، وطلاب طب.
• تدمير أجزاء من المستشفيات وتعطيل الخدمات الطبية، ما أدى إلى إغلاق بعض المرافق الصحية بالكامل.
نزوح المدنيين وتصاعد خطاب الكراهية
مع تفاقم العنف، فرّ آلاف المدنيين نحو المناطق الريفية، والجبال، وقاعدة حميميم الروسية، بحثًا عن الأمان.
وحذّر التقرير من أن خطاب الكراهية المتصاعد، والمعلومات المضللة المنتشرة عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، يهدد بتفاقم الأزمة ويزيد من احتمالات ارتكاب المزيد من المجازر.
دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى:
1. إجراء تحقيق مستقل وشفاف حول المجازر.
2. محاسبة جميع المتورطين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والعسكرية.
3. وضع حد للتحريض الطائفي والمعلومات المضللة التي تغذي العنف في سوريا.
تقرير هيومن رايتس ووتش: مجازر وتدمير ممنهج للبنية التحتية
في تقريرها الصادر في 10 آذار/مارس 2025، وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش العنف في الساحل السوري بأنه “موجة قتل جماعي يجب وقفها فورًا”، محذرة من أن ما يحدث قد يشكل جرائم حرب وإبادة جماعية.
استهداف المدنيين العلويين وإعدامات علنية
وثّق التقرير تنفيذ 32 عملية إعدام جماعي علنية في الساحات العامة، حيث تم قتل الضحايا أمام السكان المحليين لزرع الخوف بينهم.
• إعدامات ميدانية متفرقة: وثقت المنظمة مئات عمليات القتل، حيث تم العثور على جثث مكبلة الأيدي ومعصوبة الأعين في عدة مناطق بالساحل.
• تصريحات رسمية خطيرة: أشار التقرير إلى أن بعض القادة العسكريين في الحكومة المؤقتة تحدثوا علنًا عن “تحرير” و”تطهير” المناطق التي تمت السيطرة عليها، في إشارة إلى تغيير ديموغرافي محتمل.
نهب وتدمير للممتلكات العامة والخاصة
أكد التقرير أن الفصائل المسلحة نفذت عمليات نهب واسعة للممتلكات المدنية، حيث استولت على متاجر، منازل، مزارع، ومستودعات، في إطار ما يبدو أنه محاولة لتهجير السكان قسرًا.
• تدمير الممتلكات العامة: أظهرت صور وفيديوهات تدميرًا ممنهجًا للبنية التحتية، بما في ذلك إحراق منازل ومحلات تجارية.
استغلال الفوضى الأمنية وانهيار القانون
بحسب التقرير، فإن الفوضى الأمنية أتاحت الفرصة لعناصر مجهولة لاستغلال الوضع ونهب الممتلكات، ما أدى إلى مزيد من الفوضى والتدهور الأمني.
دعت هيومن رايتس ووتش المجتمع الدولي إلى:
1. إجراء تحقيقات دولية شفافة حول المجازر.
2. وقف الدعم للفصائل المسلحة المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
3. محاسبة المسؤولين عن المجازر، ومنع تكرار السيناريوهات الدموية في المستقبل.
بينما يتفق تقريرا المفوضية السامية لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش على أن العنف في الساحل السوري يحمل طابعًا طائفيًا ممنهجًا، إلا أن هناك بعض الاختلافات في التركيز:
المحور |
تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان |
تقرير هيومن رايتس ووتش |
عدد القتلى الموثقين |
111 قتيلًا مؤكدًا (والعدد الفعلي قد يكون أكبر) |
لم يتم تحديد رقم دقيق، لكن العدد قد يصل إلى المئات |
طبيعة الجرائم |
إعدامات ميدانية، قتل عائلات، هجمات طائفية |
مجازر علنية، نهب، تدمير ممتلكات، هجمات على المستشفيات |
استهداف المرافق الصحية |
هجمات على مستشفيات وقتل أطباء ومرضى |
تعطيل الرعاية الصحية وتخريب المنشآت الطبية |
خطاب الكراهية والتحريض |
انتشار معلومات مضللة تزيد من خطر التصعيد |
تصريحات رسمية تبرر القتل والتطهير العرقي |
التوصيات |
تحقيق دولي شفاف، محاسبة جميع المتورطين |
وقف دعم الفصائل المسلحة، ضمان حماية المدنيين |
المرصد السوري: ارتفاع صادم في أعداد الضحايا وتحذيرات من تصاعد العنف الطائفي
في سياق متصل، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن أرقام صادمة لعدد القتلى المدنيين الذين سقطوا خلال الأحداث الدامية في الساحل السوري منذ 6 آذار/مارس 2025. وأفاد المرصد بأن عمليات القتل الممنهجة التي استهدفت المدنيين العلويين في المنطقة بلغت مستويات غير مسبوقة، مما ينذر بمزيد من التصعيد الطائفي في سوريا.
ارتفاع أعداد القتلى والمجازر الجماعية
• في 8 آذار/مارس 2025، أكد المرصد أن أكثر من 300 مدني علوي قُتلوا خلال موجة العنف الأخيرة.
• بحلول 9 آذار/مارس 2025، ارتفع العدد إلى 745 ضحية، وسط تصاعد الهجمات الانتقامية في الساحل السوري.
• أشار التقرير إلى أن حوالي 830 مدنيًا تم إعدامهم خلال 72 ساعة، في عمليات انتقامية جماعية.
• كما وثّق المرصد وقوع 40 مجزرة طائفية خلال نفس الفترة، أسفرت عن مقتل 973 مدنيًا، في واحدة من أسوأ موجات العنف التي شهدتها سوريا منذ سقوط النظام السابق.
من جانبه وصف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، الأحداث الجارية في الساحل السوري بأنها “تصعيد خطير لموجات القتل الطائفي”، مشددًا على أن المجازر الجماعية والانتقام العرقي بحق المدنيين العلويين تمثل كارثة إنسانية تتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي.
وأضاف عبد الرحمن أن الهجمات تستهدف المدنيين بناءً على هويتهم الطائفية، وهو ما يعيد إلى الأذهان أسوأ السيناريوهات التي شهدتها الحرب السورية. وأكد أن الأرقام المسجلة للضحايا قد تكون أقل من الواقع الفعلي، نظرًا لاستمرار العنف وصعوبة التحقق من بعض المناطق التي لا تزال تشهد عمليات عسكرية.
خلفية التوترات وأسباب التصعيد
يشير المرصد إلى أن التوترات الطائفية تصاعدت بشكل كبير في الساحل السوري منذ أواخر عام 2024، خاصة بعد سلسلة من الهجمات والاحتجاجات التي شهدتها مناطق طرطوس، اللاذقية، وحماة. وكان أحد أبرز الأحداث التي فجرت موجة العنف الحالية هو الهجوم على ضريح أبو عبد الله الحسين الخُصَيبي في حلب في 25 كانون الأول/ديسمبر 2024، مما أثار غضبًا واسعًا بين السكان العلويين وأدى إلى سلسلة من ردود الفعل العنيفة في المناطق ذات الغالبية العلوية.
ردود الفعل والإجراءات الأمنية
في محاولة لاحتواء العنف، فرضت الحكومة الانتقالية السورية حظر تجوال في حمص وجبلة وبانياس، كما تم إرسال تعزيزات عسكرية إلى المناطق المتوترة في الساحل السوري. كما أعلنت الحكومة عن إطلاق حملات أمنية موسعة لملاحقة فلول النظام السابق والمجموعات المسلحة المتورطة في أعمال العنف، في محاولة لاستعادة السيطرة على الوضع الأمني المتدهور.
تحذيرات من انهيار النسيج الاجتماعي السوري
حذر المرصد السوري من أن تصاعد العنف الطائفي قد يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي في سوريا بشكل لا يمكن إصلاحه، خاصة في ظل استمرار التحريض الطائفي عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وشدد على أن التصعيد الحالي لا يهدد الساحل السوري فقط، بل قد يمتد إلى مناطق أخرى، مما يهدد بإعادة إشعال فتيل الحرب الأهلية في البلاد.
تكشف هذه التقارير عن حجم الكارثة الإنسانية في الساحل السوري، حيث يتم استهداف المدنيين بناءً على هويتهم الطائفية، وسط صمت دولي مريب. وبينما تواصل الفصائل المسلحة عملياتها القتالية، تبقى حياة آلاف المدنيين على المحك.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون هناك تحرك دولي حقيقي لوقف هذه المجازر، أم أن المجتمع الدولي سيكتفي بالإدانات الشكلية، كما حدث في مجازر سابقة؟
إعداد: هڤال ديركي
مصادر:
تقرير: المفوضية السامية لحقوق الإنسان
عنف مروّع متفشٍ في الساحل السوري
تقرير: هيومن رايتس ووتش