شهدت ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وخاصة مدينة لوس أنجلوس، خلال الأسبوع الماضي حرائق غابات مدمرة تُعد من بين الأسوأ في تاريخ الولاية. حيث اندلعت ألسنة اللهب في مساحات شاسعة من الغابات والأحياء السكنية. هذه الكارثة لم تكن مجرد حريق اعتيادي؛ بل كانت مشهدًا مرعبًا قلب حياة الآلاف رأسًا على عقب.
حجم الكارثة وآثارها
امتدت الحرائق على مساحة تجاوزت 200 ألف هكتار، ما أدى إلى مقتل 15 شخصًا على الأقل وإصابة العشرات بجروح خطيرة. دُمرت أكثر من 12,000 وحدة سكنية وتجارية، وأجبر أكثر من 200 ألف شخص على إخلاء منازلهم. تسببت الرياح القوية، المعروفة بـ”سانتا آنا”، والتي وصلت سرعتها إلى 160 كيلومترًا في الساعة، في زيادة انتشار الحرائق بشكل سريع وغير متوقع.
المشاهد كانت أشبه بفيلم من أفلام الكوارث: السماء ملونة بالبرتقالي الداكن، والدخان الكثيف يخفي الشمس، وألسنة اللهب تلتهم الأشجار والمنازل بلا رحمة. سكان المناطق المتضررة وصفوا المشهد بأنه “كابوس حقيقي”، حيث فروا مذعورين تاركين خلفهم كل شيء.
هذا وتُقدَّر الخسائر الناجمة عن هذه الحرائق بما بين 135 و150 مليار دولار، مما يجعلها من بين الكوارث الطبيعية الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة. تأثرت العديد من الصناعات، بما في ذلك صناعة السينما في هوليوود، حيث توقفت عمليات التصوير وأُغلقت المتنزهات الترفيهية.
أسباب الحرائق والتحقيقات الجارية
بينما تُعزى معظم حرائق الغابات إلى عوامل طبيعية مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، بدأت السلطات في كاليفورنيا تحقيقات مكثفة لمعرفة الأسباب الدقيقة وراء هذه الحرائق المدمرة. تشير التقارير الأولية إلى أن التغير المناخي قد لعب دورًا كبيرًا، حيث تسبب الجفاف المستمر والرياح القوية في جعل الغابات أشبه بـ”وقود جاهز للاشتعال”.
ومع ذلك، لا تستبعد السلطات وجود تدخل بشري. بدأت شرطة الولاية التحقيق في تقارير تفيد بأن بعض الحرائق قد تكون مفتعلة. عُثر على أدلة تشير إلى وجود مواد قابلة للاشتعال في موقعين مختلفين على الأقل، مما أثار الشكوك بشأن احتمالية أن تكون هناك أيادي خفية وراء الكارثة.
كما هو الحال في مثل هذه الكوارث، لم تغب نظريات المؤامرة عن الساحة. على وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت ادعاءات بأن هذه الحرائق ربما تكون جزءًا من “مخطط” للتلاعب بسوق العقارات أو تنفيذ مشاريع تطوير عمرانية جديدة.
بعض النشطاء أشاروا بأصابع الاتهام إلى شركات الطاقة الكبرى، مدعين أن هذه الشركات قد تكون مسؤولة عن الحرائق نتيجة الإهمال في صيانة خطوط الكهرباء، والتي قد تكون قد تسببت في شرارة أولى أشعلت النيران. في المقابل، نفت شركات الطاقة هذه الادعاءات، مشيرة إلى أنها تعمل على دعم جهود الإطفاء.
جهود فرق الإطفاء
يشارك أكثر من 10,000 رجل إطفاء في جهود السيطرة على الحرائق، مدعومين بطائرات مروحية وصهاريج مياه. ورغم هذه الجهود، تواجه فرق الإطفاء صعوبات هائلة بسبب الرياح القوية ونقص الموارد.
تعرضت السلطات المحلية لانتقادات شديدة بسبب عدم جاهزيتها للتعامل مع الكارثة. أشار حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، إلى أن نقص إمدادات المياه في بداية الكارثة أدى إلى تأخير جهود الإطفاء، داعيًا إلى تحقيق شامل في هذه الأزمة.
التغير المناخي في دائرة الضوء
لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي يلعبه التغير المناخي في تكرار وشدة هذه الحرائق. ارتفعت درجات الحرارة بشكل قياسي خلال العقد الأخير، وتسبب الجفاف المستمر في تحويل الغابات إلى بيئة مثالية لاندلاع الحرائق. دعا العلماء وصناع القرار إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات الكربون والتكيف مع تأثيرات التغير المناخي. تعد حرائق كاليفورنيا هذا الأسبوع هي تذكير قاسٍ بالتهديدات التي يواجهها العالم في ظل التغيرات المناخية.
تقرير: هڤال ديركي